الحمد لله رب العالمين .. خلق اللوح والقلم.. وخلق الخلق من عدم.. ودبر الأرزاق والآجال بالمقادير وحكم..
وجمل الليل بالنجوم في الظُلَمّ.... الحمد لله رب العالمين.. الذي علا فقهر.. ومَلَكَ فقدر..
وعفا فغفر.. وعلِمَ وستر.. وهزَمَ ونصر.. وخلق ونشر.
اللهم صلى على نبينا مُحمد.. صاحب الكتاب الأبقى.. والقلب الأتقى.. والثوب الأنقى..
خير من هلل ولبى.. وأفضل من طاف وسعى.. وأعظم من سبح ربهُ الأعلى.
اللهم صلى على نبينا مُحمد.. جاع فصبر.. وربط على بطنه الحجر..
ثم أعُطى فشكر.. وجاهد وانتصر ... وبعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني أخواتي مرحبا بكم
جاهد نفسك في رمضان
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، أمرَ بالجهاد وجعلَه فريضةً على جميع العباد، بحسب الاستطاعة والاستعداد، وأشهَدُ أَنْ لا إلـهَ إلاَّ الله وحده لا شريك له، له شهادةً تُنجي مَنْ قالها وعمل بها يوم يقوم الأشهاد، وأشهدُ أَنَّ محمداً عبده ورسوله وخيرتُه من جميع العباد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررةِ الأمجاد. وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يوم المعاد...
أما بعدُ:
فإن الله - تعالى - قد جعل الدنيا دارَ بلاءٍ وامتحان، وجِهادٍ ومُجَاهدة، وصَبْر ومُصَابرة لعباده، فمنِ اجتاز البلاءَ، وصبر في ذات الله - تعالى - وجَاهَد في سبيله كان حقًّا على الله - تعالى - أن يَرْضَى عنه، ويُدْخِلَهُ الجنَّة. والعبدُ منذ تكليفه إلى أن يُرْفع عنه التكليفُ يَخُوض معركةً مع نفسه وشيطانِه، فنفسه تَدْعُوه إلى هواها، وشيطانُه يَؤُزُّه إلى ما يُرْدِيه ويُهْلِكُه، والناس على فريقَيْنِ: من يَغْلِبُه شيطانه، ويَرْكَن إلى دنياه فيعب من شهواته، ويَنْسَى حقوق ربه، فمصيرُه ما ذكر الله - تعالى - بقوله: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات:37، 39].
وعكسه من غلب شيطانه، وقَهَر نفسه، ولم يَرْكَنْ إلى الدنيا، وتمتع بما أَحَلَّ الله له من الشهوات، ولم يُجَاوِز ذلك إلى ما حَرَّم الله عليه، وقام بحقّ الله - تعالى - خير قيام؛ فهو السعيدُ المذكور في قوله - تعالى -: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ من أحب الله - تعالى - وعَظَّم شعائره؛ خالف هواه إلى ما يحب الله - تعالى - وقصر نفسه على ما أحلَّ الله له. ومن أَتْبَعَ نفسه هواها، وأَرْخَى لها زِمَامها، ففي محبته لله تعالى نَقْصٌ بقدر اتِّبَاعِه لهواه، وعصيانه لربه.
قال أبو عمرو بن بُجيد - رحمه الله تعالى -: "من كَرُم عليه دينه، هَانَتْ عليه نفسه" وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى -: "مَحَبَّة الله تُوجِب المُجَاهَدة في سبيله قطعًا؛ فإنَّ من أحب الله، وأحبه الله، أحب ما يُحِبُّه الله، وأبغض ما يُبْغِضُه الله، ووالى من يُواليه الله، وعَادَى من يُعاديه الله، لا تكون مَحَبَّة قط إلاَّ وفيها ذلك بحسب قوتها وضعفها؛ فإن المحبةَ تُوجِبُ الدُّنُوّ من المحبوب، والبُعْد عن مكروهاته، ومتى كان مع المحبة نَبْذ ما يبغضه المحبوب، فإنها تكون تامَّةً".
جهاد النفس:
إن مُعالجةَ النَّفْس ومُجَاهَدتها من أعظم أنواع الجهاد؛ لأنه جِهَاد يَسْتَغْرِقُ العمر كله، وإذا طال الأَمَد ضعفتِ النفس، فاحتاجت إلى مُجَاهدة أكثر. يقول سُفْيان الثوري - رحمه الله تعالى -: "ما عَالَجْتُ شيئًا أشد عليَّ من نفسي: مرة لي؛ ومرة علي". وكان عمر - رضي الله عنه - يُخَاطِب نفسه، ويَقْهَرها حتى لا تَجْمح به، فتُخْرِجه عن الجادَّة. دخل - رضي الله عنه - حائطًا فبدأ يُخَاطِب نفسه ويحاسبها، قال أنس - رضي الله عنه -: فسمعته يقول: "عمر بن الخطاب أمير المؤمنِينَ، بَخٍ بَخٍ، واللهِ يا ابن الخطاب لتَتَّقِيَنَّ الله، أو ليُعَذِّبَنَّك".
إن الإنسانَ قد يُجَاهِد غيره؛ لكنه يَنْسَى نفسه التي تحتاج إلى جِهَاده، فيَذَرُها تركب هواها، وتنالُ مطلوبها، ولا يَحْسب أنها تحتاج إلى مجاهدة؛ بل قد يُنْكِر ذلك، ويرى أنه على أحسن حال، أو على الأقل ليس أَسْوَأَ الناسِ، وهذا يُقْعِدُه عن المجاهدة، فيسير في الرَّدى، ويُوشِك أن يهلك. وفي هذا المعنى قال علي - رضي الله عنه -: "أولُ ما تُنكِرُون من جِهادِكُم أنفُسُكم".
ولما سأل رَجُلٌ عبدَالله بن عمر - رضي الله عنهما - عن الجِهَاد قال - رضي الله عنه -: "ابْدَأْ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغْزها".
إن الخُطْوة الأولى لمجاهدة النفس:
الاعترافُ بأنها تحتاج إلى مُجَاهدة، والنظر إلى نَقْصِها، وعَيْبِها، وخَطَئِها، ومقارنة ذلك بالنفوس التي تفضلها وتتفوق عليها. ومن لم يعترفْ بتقصيره وخطئِه فكيف يُجَاهد نفسه؟! وكيف يستمر على المجاهدة العمر كله؟! قال أبو يزيد البسْطَامِيّ: "عملتُ في المجاهدة ثلاثين سنة، فما وجدتُ شيئًا أشد عليَّ من العلم ومتابعته...". ويقول أيضًا: "عالَجْتُ كل شيء؛ فما عَالَجْتُ أصعب من مُعَالَجَة نفسي، وما شيء أهون عليَّ منها".
وما دامتِ النفس ضعيفةً، والشيطانُ مَوْجُودًا فإنَّ العبد يحتاج إلى مجاهدة دائمة، ولا سيما أن الشيطانَ لا يَكِلّ ولا يَمَلّ مِنْ قذف وساوسه، وخطراته في قلوب العباد. وعلاجُ ذلك دَوَام المجاهدة.
عن سَبْرَة بن أبي فَاكِه - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الشيطانَ يقعد لابن آدم بِأَطْرُقِه، قعد في طريق الإسلام، فقال: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دينك ودين آبائك، وآباء آبائك؟ فعَصَاه وأسْلَم، وقعد له بطريق الهِجْرة، فقال: تُهَاجِر وتذر أرضك وسماءك؟ وإنما مَثَلُ المُهاجِر؛ كمثل الفَرس في الطِّوَل، فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجِهَاد، فقال: تُجَاهِد؟ فهو جَهْدُ النفس والمال، فتُقاتل فتُقْتَل؛ فتُنْكَحُ المرأةُ، ويُقْسَم المال؟! فعصاه فجاهد))، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فمَنْ فَعَل ذلك كان حقًّا على الله أن يُدْخِلَه الجنة، وإن غَرِق كان حقًّا على اللهِ أن يُدْخِلَه الجنة، أو وقَصَتْهُ دابته كان حقًّا على الله أن يُدْخِلَهُ الجنة)).
الجهاد في الطاعات:
فكما أن اجتنابَ المعاصي يَحْتاج إلى مُجَاهدة للشيطان، ومقاومةٍ للنفس الأمَّارة بالسُّوء، فإن التزام الطاعة والمحافظة عليها، وأداء الفرائض والمَنْدُوبات يحتاج إلى مُجَاهدةِ النفس المَيَّالَة بطبعها إلى الرَّاحة والكَسَل، وإلى مُجاهَدة الشيطان الذي يُثَبِّط العَزَائم، ويضعف الهِمَم، ويزين للعبد ترك اكتساب الحسنات. وهذا هو دَأْب الصالحين من عِبَاد الله - تعالى - من النبيين والصحابة، والتابعين لهم بإحسان: دوام المجاهدة في سبيل الله - تعالى - وقَهْر النفس على اكتساب الحسنات، وترك السيئات. ومن صدق مع الله - تعالى - واجْتَهَد في هذا الباب وفَّقَهُ الله للهُدى، وبلَّغه ما تَمَنَّى، وضعف تَسَلُّط الشيطان عليه، كما قال الله - سبحانه -: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، فالهِدَاية من الله - تعالى - ويستحقها المُحْسِنُون من عباده، الذين جاهدوا في الله - تعالى - حتى بلغهم الله ما أرادوا من الهِدَاية. وواقع المُجَاهِدِين يدُلّ على ذلك: فهذا نبي الله يوسف - عليه السلام - دعاه الشيطان إلى مُقَارَفَة الحرام مع امرأة العزيز، التي زَيَّنَتْ لها نفسُها الأمَّارة بالسوء عمَلَها فراوَدَتْهُ عن نفسه؛ لكنه - عليه السلام - جاهد نفسه، ولم يستَسْلِم للشيطان ولِهَواه، فقال: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف: 23]، واعترف بعجزه وضعفه رغم مُجَاهدته، وسأل الله - تعالى - العافيةَ من هذا الابتلاءِ، ودعا فقال: ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [يوسف:33، 34]. وهذه الاستجابةُ من الله - تعالى - ليوسُفَ - عليه السلامُ - كانت بعد مجاهدة منه، وصِدْق في التَّوَجُّه إليه تبارك وتعالى.
ولما سألَ رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم مُرَافَقَته في الجنة قال له: ((أَعِنِّي على نفسِك بكثرة السُّجود))؛ وهذا يحتاج إلى مجاهدة، إذا حققها العبد بلغ ما تمنى، وأعطاه الله ما سأل؛ إذ نَيْلُ المطالبِ يحتاج إلى عمل، ولا تُنَالُ بالتمني فقط، فإذا اجتمع العمل مع صِدْق التَّوَجُّهِ إلى الله - عز وجلَّ - نال العبد ما أراد.
قال أُبَيّ بن كَعْب - رضي الله عنه -: "كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تُخْطِئُه صلاةٌ، قال: فقيل له: لو اشتريت حمارًا تركبه في الظلماء وفي الرَّمْضَاء، قال: ما يَسُرُّنِي أن منزلي إلى جَنْب المسجد، إني أُريد أن يكتب لي مَمْشَاي إلى المسجد، ورُجُوعي إذا رجعت إلى أَهْلي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد جمع الله لك ذلك كله)).
أنظروا أحبتي في الله إلى جهاد أولئك كم يجاهدون أنفسهم على عمل الطاعات ويحتسبون الأجر من رب الأرض والسماوات إنهم عرفوا الله وعظموه وقدروا الله حق قدره، فهلا جاهدنا أنفسنا في هذا الشهر المبارك؟ هلا جاهدنا أنفسنا على عمل الطاعات وتقربنا إليه بالقربات واحتسبنا الأجر من الله عز وجل؟ هلا جاهدنا أنفسنا على أداء الصلوات؟ هلا جاهدنا أنفسنا وحرصنا على أداء النوافل، هلا جاهدنا أنفسنا على أداء صلاة التراويح واغتنمنا أجرها وفضلها وتركنا الهروب منها والتضجر منها؟ ألا يكفيك من فضلها أن من صلاها مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة كامله؟ ألا يكفيك ذلك أنت في بيتك ومع أولادك وكأنك قائم ليلك كله تصلي؟ فهلا جادنا أنفسنا في هذه النافلة واحتسبنا الأجر فيها؟ هلا حافظنا عليها وتركنا التضجر منها وعن الإطالة فيها؟ فهي نصف ساعة لا تزيد، فكم من الساعات ضيعنا؟ الا نستطيع صلاتها ووقفها وانتظارها حتى ينتهي الإمام منها؟ فكم من الساعات يطول انتظارنا أمام التلفاز؟ وكم يطول انتظارنا ووقوفنا وقوفاً غير جلوس أما محاسب البنك ونحوه؟ وكم من شخصٍ يجلِسُ الساعات في المقاهي والأسواق ويبخَلُ بالدقائق القليلة يجلُسُها في المسجد؟ فعلينا أخوة الإيمان أن نجاهد أنفسنا على عمل الطاعات ولنغتنم فضل وبركة هذا الشهر الكريم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾.
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
جاهد نفسك في رمضان:
الحمد لله رب العالمين، أمر بحفظ الأوقات فيما ينفع من فعل الخير والطاعات، ونهى عن إضاعتها في اللهو والغفلات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وما له من الأسماء والصفات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أول سابق إلى الخيرات، ومحذر عن طريق الهلكات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي المناقب العظيمة والكرامات، وسلم تسليماً كثيراً.
أَمَّا بَعْدُ: علاقة الصيام بالمجاهدة:
تتجلى المُجَاهدة في الصيام أكثر من غيره من العبادات. فالعبد في رمضان يُجَاهد نفسه، ويكبح شهوته؛ إرضاءً لله - تعالى - يشتهي الطعام فلا يأكله، ويظمأ فيرى الماءَ ولا يشربه، ويجاهد نفسه عن سائر المُفَطِّرَات؛ ابتغاءَ رِضْوان الله تعالى.
فالصيام يُدَرِّبُ الصائم على المجاهدة؛ حتى تَرْتاضَ نفسُه عليها، ومن قدر على الصيام عن المُفَطِّرات طوال النهار فهو قادر على الصيام عن المُحَرَّمَات طوال الليل، ومن صام عن المُحَرَّمات في رمضانَ، فقد أثبت أنه قادر على تركها في غير رمضان، وهذه هي المُجَاهدة.
إننا - معشرَ الصائمين - قد استطعنا كَبْح شهواتنا المباح منها، والمُحَرَّم في نهار رمضان، فلماذا لا نكبح نفوسنا عن الحرام في ليالي رمضان؟!
إننا جاهَدْنا نفوسنا في النهار، فقضَيْنا أوقاتنا فيما يرضي الله - تعالى - من: قراءة قرآن، وذِكْر، ودعاء، فلماذا لا نفعل ذلك في الليل؟ ولماذا لا نفعل ذلك في غير رمضان؟!
إن مُجَاهدتنا لأنفسنا وشياطيننا في نهار رمضان تدلُّ على قدرتنا على المجاهدة، وبراعتنا في قَهْر نفوسنا، ودَحْر شياطيننا، فلماذا لا نسْتَمِرّ على تلك المجاهدة حتى تُكْتَبَ لنا الهداية، وننالَ درجة الإحسان التي هي ثمن المجاهدة الصادقة؟!
إن كثيرًا من البرامج السمعيَّة والمرئيَّة في الإذاعات والفضائيات العربية، هي مَيْدان لإبليس وجندِه من شياطين الجنّ والإنس، وتحتاج منَّا إلى مجاهدة قوية؛ لدفع شرها عن أنفسنا؛ وذلك بإنكارها وعدم قَبُولها، وحِفْظ أنفسنا وبُيُوتنا وأولادنا منها. وإذا ضعفنا أمامها وما فيها من زُخْرف ومؤثرات ومُشَوقات؛ فإننا بذلك نثبت انهزامنا مع أنفسنا، وانتصار الشيطان والهَوى علينا، وهذا هو السبب الرئيس لضعفنا وذلتنا؛ لأن مجموع هزائم كل واحد منا شَكَّلَتْ كمًّا كبيرًا من الهزائم والانتكاسات، حتى صارت أمتُنا أعدادًا لا قيمة لها، وصَدَق فينا وصف الغُثائيَّة الذي أخبرنا به النبي -صلى الله عليه وسلم- إلاَّ من رحم الله، وقليل ما هم.
أسأل الله - تبارك وتعالى - أن يأخذَ بأيدينا إلى البر والتقوى، وأن يُصْلِحَ قلوبنا وأعمالنا، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يُعينَنا على أنفسنا، وشهواتِنا، وعلى شياطين الإنس والجن، إنه على ذلك قديرٌ، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
هذا وصلوا وسلموا على من بلغ رسالة الله أجل بلاغ، وبينها أكمل بيان، فلم يترك نبينا محمداً خيراً إلا دل عليه وأمر به، ولا شراً إلا حذر منه ونهى عنه كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك، يا أرحم الراحمين!
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، يا رب العالمين! اللهم وفِّق إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم وفق ولي أمرنا وسدده وارزقه بطانةً ناصحة تدله على الخير وتعينه عليه يا حي يا قيوم.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رُشد، يُعَز فيه أهل طاعتك، ويُذَل فيه أهل معصيتك، ويُؤمَر فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء!
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، اللهم أصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام، وجنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾.
عباد الله! ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعـُونَ..
المصدر اسلام ويب