[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الأمثال في القرآن الكريم
الحمد لله الذي أكرم أهل القرآن بالقرآن وخلق الإنسان علمه البيان وأخرس بالقرآن كل لسان ناطق بالبهتان في كل زمان ومكان ، والصلاة والسلام على من أنزل عليه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وعلى آله وأصحابه الذين تربوا على مائدة القرآن وعلموه من جاء بعدهم امتثالاً لقول المصطفى العدنان: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) (1)
من أساليب القرآن الكريم في ضروب بيانه ونواحي إعجازه ضرب الأمثال للناس وإبراز المعقول في صورة المحسوس وعرض الغائب في معرض الحاضر وقياس النظير على النظير وبذلك يسلك القرآن سبيله إلى الإقناع بالحكمة والموعظة الحسنة .
وقد ذكر الله تعالى في كتاب أنه يضرب الأمثال فقال سبحانه وتعالى : ( ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) .(2) ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ).(3)
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنّ القرآن نزل على خمسة أوجه حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فاعملوا بالحلال واجتنبوا الحرام واتبعوا المحكم وآمنوا بالمتشابه واعتبروا بالأمثال ).
قال الإمام الماوردي مِن أعظم علم القرآن علم أمثاله وقال غيره : قد عدّه الإمام الشافعي مما يجب على المجتهد معرفته من علوم القرآن. (4)
والأمثال جمع مثل وهو قول محكي يقصد به تشبيه حال الذي حكى فيه بحال الذي قيل لأجله .
الأمثال في القرآن ثلاثة أنواع : الأمثال المصرحة ، الأمثال الكامنة ، الأمثال المرسلة .
النوع الأول:
الأمثال المصرحة وهي ما صرح فيها بلفظ المثل أو ما يدل على التشبيه وهي كثيرة نورد منها مثالاً واحداً قوله تعالى في حقّ المنافقين
مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون . أو كصيبٍ من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق إلى قوله تعالى إن الله على كل شيء قدير ) ففي هذه الآيات ضرب الله فيها للمنافقين مثلين :
مثلاً بالنار ومثلاً بالمطر ، فهم بمنزلة من استوقد ناراً للإضاءة والنفع حيث انتفعوا مادياً بالدخول في الإسلام ولكن لم يكن له أثر نوري في قلوبهم فذهب الله بالإضاءة - ذهب الله بنورهم - وأبقى ما فيها من الإحراق وهذا مثلهم بالنار .
وذكر مثلهم بالمطر فشبههم بحال من أصابه مطر فيه ظلمة ورعد وبرق فخارت قواه ووضع أصبعيه في أذنيه وأغمض عينيه خوفاً من صاعقة تصيبه لأنّ القرآن بزواجره وأوامره ونواهيه وخطابه نزل عليهم نزول الصواعق .
النوع الثاني :
الأمثال الكامنة وهي التي لم يُصرَّح فيها بلفظ التمثيل ولكنها تدل على معان رائعة في إيجاز ويمثلون لهذا النوع بأمثلة منها :
ما في معنى قولهم ( خير الأمور أوساطها ) قوله تعالى ( والذين إذا أنفقوالم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً ) .
ما في معنى قولهم ( ليس الخبر كالعيان ) قوله تعالى ( قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) .
ما في معنى قولهم ( كما تدين تدان ) قوله تعالى ( من يعمل سوءاً يجز به ) .
ما في معنى قولهم ( لا تلد الحية إلا الحية ) قوله تعالى ( ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً ) .
وقد أورد السيوطي في الإتقان أحد عشر مثالاً من هذا القبيل .
النوع الثالث:
الأمثال المرسلة وهي جمل أرسلت إرسالاً من غير تصريح بلفظ التشبيه فهي آيات جارية مجرى الأمثال وقد نقل الإمام السيوطي طائفة منها (5)
( لكل نبأ مستقر )(6) ، ( أليس الصبح بقريب )(7) ، ( قل كلٌ يعمل على شاكلته )(
، ( تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى )(9) .
ولقد شاع في الأسلوب العربي ضرب الأمثال لتجلية أمر أو توضيح أمر أو توضيح حقيقة وحيث شاع ذلك جاء القرآن الكريم مستناً هذا السنن ليكون أبلغ في الإعجاز ، من ذلك ما ضربه الله مثلاً في كتابة للكلمة الطيبة قوله تعالى : ( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) .
لما أراد الله تبارك وتعالى أن يوضح حقيقة الكلمة الطيبة ويبين كنهها شبهها بشجرة طيبة ثبت أصلها وارتفع فرعها آتية أكلها كل حين بإذن ربها.
ولما كان هذا المثل مثلاً قرآنياً فقد رأينا أن نسأل العلماء والمفسرين عنها ولما ولينا وجوهنا شطرهم أخبرونا بأنّ الكلمة الطيبة التي أرادها الله في هذا المثل القرآني هي كلمة التوحيد والإخلاص هي كلمة لا إله إلا الله والتي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم
أكثروا من قول لا إله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها ) .(10)
وهذه الشجرة بتلك الأوصاف كما قال علماؤنا إنما هي النخلة فلقد روى البخاري عن سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخبروني عن شجرة تشبه الرجل المسلم لا يتحات ورقها صيفاً ولا شتاءً تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال ابن عمر : فوقع في نفسي أنها النخلة ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم فلمالم يقولا شيئاً قال عليه الصلاة والسلام :هي النخلة فلما قمنا قلت لعمر يا أبتاه والله لقد وقع في نفسي أنها النخلة فقال ما منعك أن تتكلم ؟ قلت لأني لم أركم تتكلمون فكرهت أن أتكلم فقال عمر لو أنك قلتها لكان أحب إلي من كذا وكذا (11)
وهذه الصورة هي صورة من صور التشبيه ولذلك أخذ العلماء في بيان وجه الشبه بين كلمة التوحيد والنخلة فقالوا :
أولاً: أنّ النخلة من أطول الأشجار كذلك كلمة التوحيد من أعلى الكلمات .
ثانياً: أنّ النخلة لا تنبت في جميع البلدان كذلك كلمة التوحيد لا تجري على كل لسان .
ثالثاً: أنّ النخلة تكون في أسفلها شوك وثمرتها تكون في أعلاها فكذلك كلمة التوحيد أولها تكاليف شاقة وأعلاها ثمرة لذيذة وهي معرفة الله عزّ وجل .
ولنا أن تساءل الآن لماذا يضرب الله مثل هذا المثل ؟
والجواب في قوله تعالى : ( ويضرب الله الأمثال للنّاس لعلهم يتذكرون ) .(12)
وهنا لك أن تسأل ما الذي ينبغي أن يتذكره المسلم ؟
أقول الذي ينبغي أن يتذكره المسلم هو ما حوته هذه الكلمة من أسرار وما جمعته من لطائف إذ من أسرارها كما قيل أنها ليس فيها حرف شفوي إنّما كل حروفها جوفية أو قريبة من الجوف والجوف بطبيعته قريب من القلب وفي هذا إشارة إلى أن قائلها لا بدّ وأن يأتي بها من خالص قلبه وعميق وجدانه ليسعد بشفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو القائل أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً مخلصاً من قلبه (13)
ومن أسرارها أنها ليس فيها حرف معجم أي منقوط إنما كلّ حروفها خالية ومجردة عن النقط وفي هذا إشارة إلى أنّ قائلها لا بدّ وأن يتجرد عن كلّ معبود سوى الله تبارك وتعالى فلا يليق بقائلها أن يكون عبداً للدرهم والدينار والهوى والشهوات .
أما عن فضائلها فنُعَدُّ منها ولا نعددها لأنّ فضائلها لا تعد ولا تحصى فهي مفتاح الجنة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مفتاح الجنة لا إله إلا الله (14) كذلك من فضائلها أن كلّ عمل يعمله المرء منا يصعد به الملك إلى الله تعالى وإلا قول لا إله إلا الله فإنّه يصعد بنفسه والدليل على ذلك قوله تعالى
وإليه يصعد الكلم الطيب ). (15)
كذلك من فضائلها أنّها غراس الجنة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسري بي فقال لي يا محمد أقرأ أمتك مني السلام وأخبرهم بأن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ).(16)
وهكذا نرى أنّ الله تبارك وتعالى يضرب المثال للتذكر والتدبر ولأخذ العظات والعبر وصدق الله إذ يقول وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون (17)
* * * * * * * *
*تخرج في الكلتاوية عام 2002م
(1): رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن رقمه 4639
(2): سورة سيدنا إبراهيم (25)
(3): سورة العنكبوت (43)
(4): الإتقان للسيوطي ج2 ص 131
(5): الإتقان للسيوطي ج2 ص 132-133
(6): سورة الأنعام (67)
(7): سورة سيدنا هود (81)
(
: سورة الإسراء (84)
(9): سورة الحشر (14)
(10): مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج10 ص87 رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح
(11): صحيح مسلم ج4-2164 باب مثل المؤمن مثل النخلة
(12): سورة إبراهيم عليه السلام (25)
(13): صحيح البخاري ج1-49 باب الحرص على العلم
(14): صحيح البخاري ج2-71وابن عساكر
(15): سورة فاطر(10)
(16): سنن الترمذي ج5-172
(17): سورة الحشر (21)
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]